لم يكن يتوقع الجنرال ديفيد بترايوس مدير المخابرات المركزية سي أي إيه أن المرأة التي التقي بها لتكتب سيرته الذاتية, ستكتب في الوقت ذاته فصل النهاية في مسيرته المهنية الحافلة حيث الصعود من قمة المجد إلي حافة الهاوية.
بترايوس وبولا برودويل
العشق الممنوع في عالم الجواسيس لم يطل فقط بترايوس بل أسقط بطل آخر في الحكاية, ويبدو أنه لن يكون الأخير, وهو الجنرال جون ألن قائد القوات الأمريكية في أفغانستان والذي يخضع للتحقيق بسبب30 ألف صفحة من البريد الالكتروني غير اللائقة مع أحد بطلتي الفضيحة. عكرت الفضيحة بتفاصيلها التي مازالت تتكشف أمام الرأي العام الأمريكي ــ والتي أعادت إلي الأذهان شبح ذكريات كلينتون ــ مونيكا ــ نشوة الرئيس المنتخب وإصابته بالإحباط. إذ لم يتوقع أوباما بعد أكثر من18 شهرا من حملة انتخابية مرهقة وخلال عودته من مقر حملته الانتخابية في شيكاجو إلي واشنطن, أن يكتشف أن بترايوس مدير أقوي جهاز مخابرات في العالم عرض الأمن القومي الأمريكي للخطر بسبب امرأتين. وبعد ثلاثة أيام من إعلان بقائه رئيسا للولايات المتحدة, يذهب إليه الجنرال المتقاعد ليعرض عليه استقالته, لكن أوباما يتمهل قبل اتخاذ القرار الأخير بقبول الاستقالة في اليوم التالي. ما كشفت عنه تحقيقات مكتب التحقيقات الفيدرالي أف بي أي والتي بدأت منذ الصيف الماضي كان كفيلا بالإطاحة بـبترايوس الملقب بـ الملك ديفيد بسبب نجاحه في تحويل مسار الحرب في العراق خلال توليه رئاسة القيادة المركزية الأمريكية.
وبالرغم من أن العلاقة بين أوباما وبترايوس قد شهدت تقلبات خلال عام2009 خلال تولي الأخير قيادة قوة المساعدة الأمنية في أفغانستان إيساف بسبب زيادة حجم القوات الأمريكية هناك, إلا أن أوباما اختار بترايوس لتولي قيادة السي أي إيه إلا أن العلاقة بين الرجلين شابها التوتر مجددا بسبب حادث الهجوم علي القنصلية الأمريكية في بنغازي يوم11 سبتمبر الماضي. الرئيس أشاد بالجنرال بعد تقديمه لاستقالته واعتبره مثالا للوطنية والتفاني في العمل والإخلاص, وأنه كان بكل المقاييس واحدا من القادة المتميزين في جيله والذي ساعد علي وضع نهاية مسئولة لحروب الولايات المتحدة طويلة الأمد في العراق وأفغانستان. لكن تظل ورقة أخيرة علي مائدة أوباما بعد تبعات هذه الفضيحة وهي اختيار الخليفة المناسب لتولي المنصب.
النهاية الدرامية لمسيرة الجنرال المتقاعد التي استمرت لأكثر من37 عاما ولمسيرته السياسية المستقبلية كمرشح رئاسي جمهوري لخوض السباق إلي البيت الأبيض أثارت حالة من الجدل داخل واشنطن. البعض اعتبر استقالة بترايوس خسارة فادحة للولايات المتحدة, وأن علاقته الغرامية لم تكن تستدعي أبدا هذه الخطوة. بينما رأي البعض الآخر أن استقالته كانت ضرورة تفاديا للابتزاز السياسي. القائد الأمريكي الستيني الناجي من محاولتي اغتيال اعترف بسلوكه المشين في بيان استقالته, ورفض وجود نظرية مؤامرة. لكن الحقيقة المؤكدة وراء سقوطه المدوي كانت بسبب الغيرة النسائية بين عشيقته بولا برودويل ــ40 عاما ــ وبين جيل كيلي ــ37 عاما ــ وهي أمريكية من أصل لبناني والتي أعلنت في بيان أنها ليست سوي صديقة لعائلة الجنرال. إلا أنه تكشف وجود علاقة بينها وبين بترايوس وهذا ما اتهمته به برودويل في رسائل التهديد وكذلك رسائل فاضحة بين كيلي والجنرال ألن.
الفضيحة بدأت بتحقيق جنائي حول رسائل تهديد تلقتها جيل من بولا, قادت خيوط البحث إلي رسائل جنسية متبادلة بين برودويل وبترايوس. مكتب التحقيقات الفيدرالي أعتقد في البداية أن البريد الالكتروني لرأس المخابرات الأمريكية مخترق, لكن الحقيقة تكشفت ملامحها بعد استدعاء بترايوس للتحقيق معه. برودويل ضابط الاحتياط السابقة وخبيرة مكافحة الإرهاب والأكاديمية في جامعة هارفارد قضت أوقاتا طويلة مع بترايوس منذ2010 عندما كان علي رأس التحالف الدولي في أفغانستان من أجل تأليف كتاب كل شيء: تعليم ديفيد بترايوس. الموضوع لم تنته خيوطه هنا, بل جمد أوباما تعيين الجنرال ألن المتورط الثاني في منصب قائد قوات الناتو في أوروبا كما بدأ مفتش وزارة الدفاع تحقيقا معه. العلاقات داخل الجهاز المخابراتي فضيحة تجعل صاحبها عرضة للابتزاز والتهديدات, وداخل الجيش جريمة يجب محاسبة مرتكبها, وفي النهاية عشق الجواسيس ممنوع, وفضيحة بترايوس لن ترحم أحدا ممن تورط فيها.