قمة الانفلات تتحقق في محافظة أسيوط حيث تعاني المناطق الأثرية بالمحافظة حالة من الاهمال الشديد الذي وصل إلي أن تصبح المحافظة وكرا لتجارة الآثار, فالأنفاق تغزو الشوارع والحواري بمدن وقري أسيوط,
في حالة وهم انتابت المئات من المواطنين الباحثين عن الثراء السريع وكنوز الفراعين وهي الآثار, في ظل انتشار واسع لشائعة بيع آثار بأرقام تصل لملايين الدولارات, وكان للفقر الذي يعانيه أغلب سكان المحافظة دور أساسي في دفع مجموعات إلي القيام بالتوجه إلي الجبال المعروفة بأثريتها في ظل غياب الأمن لمتابعة ما يحدث بالمناطق الأثرية علي نطاق موسع, بالإضافة لقيام أصحاب المنازل بإنشاء حفريات تصل إلي ثلاثين واربعين مترا في باطن الأرض بحثا عن الكنز الذي حدده شيخ من الشيوخ ـ حسب ما يشيعه البعض منهم ـ من وجود رصد لحماية المكان.
يأتي ذلك في الوقت الذي يتجاهل فيه مسئولو الآثار بأسيوط حماية هذه المناطق التي أصبحت عرضة لمهربين وشخصيات ذات نفوذ متمثلة في قوة السلاح والمال, خاصة في الاماكن المتطرفة من المحافظة.
كما يوجد بالمحافظة ما يربو علي ست هيئات مسئولة مسئولية مباشرة عن الآثار والسياحة لم تجتمع خلال الأعوام الماضية علي طاولة واحدة لتحديد سبل حماية واستثمار هذه المناطق كون أكثرها أصبح عرضة للنهب المنتظم من قبل مافيا تجارة الآثار بأسيوط مثل آثار دير تاسا والوكالات الأثرية بمنطقة القيسارية غرب مدينة أسيوط وآثار البداري التي ترجع أثريتها إلي ما قبل التاريخ وتضم بين جنباتها اقدم محكمة في التاريخ والتي لم تسلم من السرقة والنهب علي مدي السنين الماضية, حتي ظن البعض من مهربي الآثار ان المحافظة أصبحت المنفذ الآمن لتهريب آثار الوادي الجديد الزاخر بآلاف القطع الأثرية, مما جعلها تتحول لمحطة ترانزيت لتهريب آثار الوادي الجديد. فمركز البداري مثلا الذي يبعد40 كيلو مترا عن مدنية أسيوط يضم بين جنباته أقدم الحضارات في العالم, وأقدم المحاكم الفرعونية علي الاطلاق التي ينادي لسان حالها بمحاكمة كل من تجاهلها علي مر السنين وحولها من أهم منطقة حضارية إلي كم مهمل لا يعرف حتي أبناء المحافظة أسمها.
أما منطقة آثار الهمامية القابعة في مركز البداري أقصي جنوب أسيوط, فقد صنع التجاهل والتهميش منها مثالا صارخا لإهمال الآثار وضياع أحد أهم موارد الدخل القومي وهي السياحة, في محافظة تعيش أشد لحظات الاحتياج للنهوض بها اقتصاديا كونها ضمن أفقر محافظات مصر رغم احتوائها علي38 مزارا سياحيا.
فبينما تتعرض آثار أسيوط, خاصة منطقة البداري, إلي النهب والسرقة علي مدي السنوات الماضية وربما الآتية, في ظل صمت القائمين عليها حيث لم تشهد المنطقة نزول بعثات حكومية للتنقيب عن الآثار, اكتفي المسئولون بتعيين بعض حراس الأمن خفراء دون ان يوجدوا في مناطق تكتظ بمئات القطع الأثرية دون أن يتم حصرها أو الإعلان عن أعدادها أو تاريخها, مما عرضها للنهب والسرقة من عصابات منظمة, وتحولت بعض منازل الاهالي هناك إلي حفر عميقة بحثا عن سراديب أو بوابة تأخذهم إلي حيث النعيم.
فالمفاجأة التي اكتشفتها الاهرام خلال زيارتها الثانية لمنطقة آثار الهمامية أن الاهمال يحيط بكل شيء هناك وكأن المسئولين عنها لم توجه لهم اي لائمة خلال الفترة الماضية, خاصة بعد ان نشرت الاهرام حقائق بالصور تؤكد ان هناك نهب وسرقة, حيث ان حديقة الاستراحة السياحية تم زراعتها بالبصل والجرجير والبرسيم كاستثمار من نوع خاص لأحد الموظفين بهيئة الآثار دون الاكتراث بأنها ملكية عامة, وقام بإنشاء مكان خاص لماشيته وربط الحمار الخاص به بجوار الاستراحة التي تحولت إلي خرابة فكل شيء فيها ينطق بالخراب فاللافتات تم إقتلاعها من مكانها, والبلاط لا وجود له, والأبواب تم تكسيرها وتصدرت الأصفاد المشهد حيث لم يتبق من الباب الرئيسي للاستراحة إلا قفلا قد اعتلاه الصدأ, والزجاج غير موجود ولم يتبق منها إلا حوائط خاوية تشكو إلي الله تلك الحالة المزرية التي وصلت إليها.
فدون النظر للمخاطرة تم تسلق الجبل واكتشفنا حين الوصول أن أقدم محكمة في التاريخ الفرعوني لم تعد كما تركها الفراعنة لأن يد التخريب والسرقة والنهب قد طالتها.
ولم يكن الموقف مختلفا في بقية المناطق الأثرية بأسيوط حيث يقول سامي فتحي إنه مازالت التعديات علي قنطرة المجذوب تعد مثالا صارخا علي إهمال الآثار بأسيوط مما يدفعنا وبشدة للتوضيح.
والجدير بالذكر أن قنطرة المجذوب مستغلة حاليا كجراج للسيارات الخردة الخاصة بحي غرب وتم كسر جزء من الحائط الأثري بها لشق طريق لنزول السيارات لأسفل القنطرة كمخزن وبعض الباعة الجائلين يستغلونها كمرحاض عام أو لإلقاء القمامة بها, وقد تم إقامة أكشاك حول السور من الخارج.