معركة تلوح في الأفق سيخوضها الرئيس الأمريكي باراك أوباما للحصول علي تصديق مجلس الشيوخ علي تعيين وزير خارجية خلفا لهيلاري كلينتون التي قررت الابتعاد والاكتفاء بأربع سنوات في الإدارة الديمقراطية الحالية.
سوزان رايس
مرشحة أوباما الأكثر احتمالا هي سوزان رايس مندوبة أمريكا لدي الأمم المتحدة والصديقة المقربة من الرئيس ومستشارة حملته الانتخابية الأولي. وكان ممكنا أن تحصل رايس84 عاما علي تصديق الشيوخ في إجراء روتيني إلا أن تصريحاتها بشأن حادثة مقتل السفير الأمريكي في بني غازي وضعها والرئيس في موقف حرج في الأيام الأخيرة لحملة انتخابات الرئاسة وتعرض أوباما بسببها لانتقادات عنيفة من الجمهوريين ثم اتضح أنها ظهرت في برامج حوارية إستندت فيها إلي معلومات قدمتها لها الأجهزة الاستخبارية الأمريكية تقول إن الهجوم علي القنصلية لم يكن مدبرا بل مجرد غضبة شعبية بسبب الفيلم المسيء للدين الإسلامي ثم أظهرت التحقيقات في مرحلة تالية أن خيوط وآثار شبكة القاعدة والتنظيمات المتطرفة واضحة في العملية وهو ما ترك تأثيرا سلبيا علي فرص رايس التي يتهمها الجمهوريون بالتغطية علي أخطاء الرئيس. وسائل الإعلام الأمريكية تحفل اليوم بتغطيات كثيرة لترشيحات الإدارة القادمة وينصب الجدل علي صلاحية رايس للمنصب الرفيع بعد السقطة السابقة ـ حسب تقييم الجمهوريين ـ حيث تصر أسماء بارزة في الحزب الجمهوري مثل السيناتور جون ماكين والسناتور ليندسي جراهام علي استخدام ما يعرف بـ حق المجادلة في مجلس الشيوخ لوقف تصديق الأغلبية الديمقراطية علي ترشيح أوباما وهو حق يمنح المعارضة فرصة المجادلة المفتوحة لعرقلة تمرير الأغلبية لقرارت مختلف عليها. وحجة الجمهوريين أن مسئولة تشغل أعلي منصب أمريكي في الأمم المتحدة يجب أن تخرج كلماتها بعناية فائقة وفي حالة بني غازي إما أنها كانت تعلم الحقيقة وتلاعبت بكلماتها من أجل حماية الرئيس أو لم تكن تعلم الحقيقة وبالتالي لم يكن عليها أن تخرج إلي العالم بتلك التصريحات المغلوطة التي تضرب مصداقية الدبلوماسية الأمريكية. بعد فوزه بفترة ثانية, لم يعد أمام أوباما عائق يحول دون دفاعه عن صديقته رايس, التي تشبه في علاقتها به علاقة كوندليزا رايس وزيرة الخارجية الأسبق بالرئيس جورج بوش من حيث القرب والإصغاء وامتداح قدراتها في العلن, فقد رد الرئيس الأمريكي بقوة علي ماكين وجراهام وقال إنهما يستهدفان رايس لأنها هدف سهل ولو أرادا أن يواجهان أحدا فليكن هو شخصيا لأن القضية تتعلق بمقتل أمريكيين وهو الأولي بالرد والنقاش. وتضم قائمة المرشحين المحتملين السناتور جون كيري ـ المرشح أيضا لوزارة الدفاع ـ ومستشار الأمن القومي توم دانلون ووليام بيرنز نائب وزير الخارجية المخضرم وصاحب السمعة المرموقة والدراية الواسعة بقضايا الشرق الأوسط. شخصية أوباما تفرض نفسها فهو لا يميل للانسحاب ويستخدم كل الأسلحة الممكنة لتمرير رؤيته مثلما فعل في قضية قانون إصلاح التأمين الصحي وخطة إنقاذ الاقتصاد الأمريكي, فقد اعتبر خصومه القانونين كارثة ووبالا علي الرئيس الشاب غير المحترف ـ من وجهة نظرهم ـ ثم قلب الرجل الطاولة علي الجميع عندما صوتت ولايات مهمة لمشروعه. في حالة رايس, يعلم أوباما أن وجودها إلي جواره سواء في الخارجية أو في مجلس الأمن القومي ـ لو غير وجهة نظره وطرح مرشحا آخر للخارجية ـ سوف يثير خصومه في الكونجرس ويحمل الإدارة عبء الدخول في مشاحنات دائمة إلا أن طريقة إدارة أوباما للصراع تفترض أنه كلما زادوا من ضرباتهم.. كلما قلت مصداقيتهم.. وهي استراتيجية سبق له أن جربها مع الجمهوريين وثبت جدواها في الأعوام الأربعة الماضية! وكان أعضاء جمهوريون في الشيوخ قد اشترطوا أن تمثل رايس أمام جلسات استماع خاصة حول قضية مقتل السفير الأمريكي لاستجلاء موقفها بما يعني أن المعركة يمكن أن تستمر لعدة أسابيع أو شهور. وقد يحاول الجمهوريون إستفزاز رايس المعروفة بمزاجها الحاد, نسبيا, فلها وقائع معلنة اليوم عن خلافاتها مع الدبلوماسي الراحل ريتشارد هولبروك في إدارة بيل كلينتون. ومحتمل أن يصر أوباما علي رايس من أجل إرضاء القاعدة الانتخابية للحزب الديمقراطي من النساء والأمريكيين من أصل إفريقي رغم أنها ليست أول وزيرة خارجية سوداء فقد سبقتها رايس الأولي ولكن لتعويض أية تسويات يقدم فيها تنازلات للجمهوريين في بدايات الفترة الثانية مثل قضية عجز الموازنة. عند الضرورة, أيضا, يستخدم البيت الأبيض الصلات الوثيقة مع صحفيين وكتاب معروفين للدفاع عن تسمية مرشح بعينه عندما تلوح معركة طويلة وهو ما حدث بالفعل في الأيام الأخيرة علي صفحات نيويورك تايمز و واشنطن بوست من خلال أسماء شهيرة راحت تفند في الاتهامات الموجهة لمرشحة أوباما من أجل الفوز بالمعركة في أعين الرأي العام قبل مواجهة نواب الكونجرس.