يقول الاستاذ الدكتور أحمد رفعت استاذ الامراض النفسية والعصبية بقصر العيني: كثير من الناس لايعرفون اضطرابات الهلع, أو مشاعر الخوف الشديدة, خصوصا أولئك الذين لم يسمعوا عن أشخاص عانوا من هذا الاضطراب الخطير.
ومن عاني من هذه الحالة لايمكن أن ينسي مشاعر الخوف التي مر بها. وهذا المرض يأتي فجأة, في أي مكان وزمان. والانسان المبتلي به يشعر بأنه سوف يموت, حيث تتسارع دقات قلبه, ويزداد نبضه, وتنفسه يصبح سريعا, ويتخشب ويتسمر وكأنه ينتظر الموت, لذا كان لنا هذا الحوار مع الدكتور أحمد ـ رفعت اخصائي النفسية والعصبية ـ والي نص الحوار.
* كيف يعرف الشخص انه يعاني من هذا الاضطراب؟؟
** يعرف الشخص بأنه يعاني من هذا الاضطراب عندما يصاب وبنوبة الهلع التي قد تأتي مترافقة مع أي من أعراض المرض كاضطراب من اضطرابات القلق, أو أي اضطراب عقلي أو نفسي, مثل اضطرابات المزاج, والاضطرابات المتعلقة بتعاطي المخدرات, وكذلك مع أي اضطراب عضوي, مثل اضطرابات القلب والجهاز الدوري, واضطرابات التنفس, واضطرابات الجهاز الهضمي.
وهنا سوف نتحدث عن اضطراب الهلع, كاضطراب مستقل. والعرض الأساسي لهذا المرض هو الشعور بخوف شديد وعدم الارتياح, دون وجود أي خطر حقيقي, ويكون مصاحبا علي الأقل لأربعة من13 عرضا نفسيا وعضويا. وهذه الأعراض قد تكون عضوية أو نفسية, مثل ازدياد ضربات القلب, التعرق الغزير, الارتجاف أو الشعور بالارتجاف الداخلي, الشعور بضيق التنفس, أو عدم القدرة علي أخذ القدر الكافي من التنفس الطبيعي, الشعور بالاختناق, الاحساس بآلام في الصدر, أو الشعور بعدم الراحة في منطقة الصدر, الغثيان أو آلام في البطن, الشعور بالدوار أو بالصداع في جميع مناطق الرأس, الشعور بأن شخصا ما غير حقيقي, أو بأن الأشياء المحيطة به غير حقيقية, وكذلك الشعور بحرارة أو برودة داخلية, والشعور بفقدان المريض السيطرة علي نفسه, أو أن يجن أو أن يموت, وتستمر هذه النوبة لمدة عشر دقائق, وتأتي فجأة, دون مقدمات, وتكون مصحوبة بمشاعر قوية من وقوع خطر, والرغبة العارمة بالهرب إلي أي مكان آخر آمن, أو مغادرة المكان, ولكنه لايستطيع ذلك.
وهناك اضطراب آخر قريب من اضطراب الهلع, وهو اضطراب القلق العام. ويمكن التفريق بينهما بالقول إن نوبات الهلع تأتي فجأة, وتصل الي ذروتها خلال دقائق وهي اضطراب خفي, وقوي جدا عندما ينتاب الشخص ويجعله في حالة يرثي لها.
وإذا كانت نوبة الهلع شديدة, وعدد الأعراض أقل من أربعة من الأعراض الثلاثة عشر, فإنها لاتعتبر اضطراب هلع, ويطلق عليها نوبة ذعار غير مكتملة.
وهناك ثلاثة أنواع من اضطراب الهلع:
نوبة هلع غير متوقعة, نوبة هلع نتيجة حالة معينة, نوبة هلع نتيجة توقع حالة محددة.
وكل نوع من هذه الأنواع يختلف عن الأنواع الأخري, من حيث بدء النوبة ووجود أو عدم وجود أمر يثير نوبة الهلع, مثل الخوف من الأماكن المغلقة لدي شخص يعاني من هذا الرهاب, وإصابته بنوبة هلع عندما يكون في مكان مغلق, مثل المصاعد, أو عند توقف مصعد بين الطوابق, بسبب عطل في المصعد. ومثل هذا الشخص قد يصاب بنوبة هلع شديدة جدا, تجعله يصرخ بشكل هستيري ويحاول الخروج, رغم علمه أنه لايستطيع ذلك, ويبدأ بضرب الأبواب, ويحدث ضجة شديدة علي تصرفاته, مما يؤدي الي إصابته بنوبة هلع شديدة جدا. ونوبة الهلع الناتجة عن أفكار. مثل شعور الشخص بزيادة ضربات القلب, فينتابه شعور بالهلع بطريقة كارثية, وهذه تعتبر نوبة هلع داخلية. إذا لم يكن هناك مسبب داخلي أو خارجي, وتحدث نوبة الهلع, هنا تعتبر نوبة اضطراب هلع حقيقي والشخص الذي يعاني من الرهاب الاجتماعي, قد يصاب بنوبة هلع, إذا فكر أو وضع في موقف يفرض عليه أن يتكلم أمام مجموعة من الناس, وهذا هو أكثر موقف يخشاه الشخص الذي يعاني من الرهاب الاجتماعي.
واضطرابات الهلع التي تكون نتيجة تفكير في مواقف معينة, قد لاتحدث فجأة بعد التفكير, أو التعرض للموقف المثير للنوبة, ولكن قد يتأخر لمدة زمنية قد تستغرق نصف ساعة أو ساعة كاملة. وبعد هذا الوقت يشعر الشخص بنوبة الهلع أثناء الموقف.
وأشار شخص كان مديرا لبنك في أدنبرة الي أنه كان يلقي كلمة أثناء تخرج دفعة من مديري فروع البنك الذي هو مديره في منطقة اسكتلندا, وفجأة بعد حوالي45 دقيقة شعر بأنه لايستطيع أن ينطق كلمة واحدة, وانتابه خوف شديد وتسارعت نبضات قلبه وشعر بتعرق شديد يبلل ملابسه, وبرجفة تسري في جميع أجزاء جسمه, وانسحب دون أي اعتذار, وطلب من نائبه أن يكمل الحديث, وترك الناس مشوشين عما حدث له. بعد تلك الحادثة أصبح يعتذر عن عدم حضور أي مناسبة اجتماعية أو عملية تعرضه لأن يكون أمام تقييم الآخرين, ويكون هو محور الأنظار.
أحيانا تأتي حالات الهلع في مواقف محرجة, كأن يقود شخص ماسيارة, وفجأة يتعرض لنوبة هلع. وقد شعر موظف كان يقود سيارته ذات مرة, بنوبة هلع مفاجئة. أوقف سيارته علي جانب الطريق, ولم يستطع فعل أي شيء, وبقي منتظرا أن يتوقف تنفسه ويموت, ولم يتمكن من أن يتصل بأي شخص, وعاش في خوف شديد, وضربات قلبه تزداد سرعة وقوة, وكذلك تنفسه, وشعر بصعوبة في التنس والعرق يبلل ملابسه وتفكيره يتجه إلي فكرة واحدة فقط, وهي أنه سوف يموت. وبقي في أوج هذه المشاعر لأكثر من15 دقيقة, بعد ذلك شعر أن الأمور تسير نحو الوضع الطبيعي, فبدأ تفكيره ينحو تجاه الهدوء, بعد أن بدأت ضربات قلبه تعود إلي طبيعتها وتنفسه يصبح طبيعيا, وأخذت فكرة الموت تخبو لديه. وبعد دقائق أخري شعر بأنه أصبح معافي, وأن الأعراض التنفسية والجسدية تلاشت, وأخذ يتنفس الصعداء وأدار محرك سيارته وواصل سيره بهدوء, وذلك رغم شعوره بالقلق من أن تعود إليه نوبة هلع اخري, لذلك ذهب مباشرة إلي منزله بدلا من المكان الآخر الذي كان ينوي الذهاب إليه.
قصة هذا الرجل, مثال علي الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهلع, حيث تنتابهم نوبات الهلع فجأة, دون إعطاء أي اشارة بأن هذه النوبة في طريقها الي الزوال. ولذلك يسيطر علي الأشخاص الذين يعانون من اضطراب الهلع من الخوف من اصابتهم بنوبة هلع في مكان عام أو في موقف غير مناسب قد يراه عامة الناس. وعليه يهدد اضطراب الهلع حياة من يعانون منه, ويعوق حياتهم في كثير من الشئون العامة, العملية والعلمية والإجتماعية.
وهناك أستاذ جامعي كان يعاني من اضطراب الهلع, الذي أثر في حياته العملية والعلمية والإجتماعية. فأصبح لايستطيع قيادة سيارة, ويشعر بقلق شديد عندما لايكون السائق في المنزل, وأصبح لايذهب إلي الصلاة في المسجد إلا في أضيق الحدود, ويكون معه دواء يخفف نوبات الهلع, فيما لو حدثت له نوبة وأحيانا يغادر المسجد خوفا من أن تصيبه نوبة هلع. وتأثرت كذلك, حياته العلمية كأستاذ جامعي كثيرا بسبب عدم مشاركته في الأنشطة الاجتماعية, لخوفه من تعرضه لنوبة هلع أمام الجماهير ولذلك انعزل اجتماعيا, وأصبح يعيش حياة صعبة بسبب هذا الاضطراب المزعج.
حيرة وقلق
يذهب كثير ممن يصابون بهذا المرض, عادة الي عيادات القلب بسبب معاناتهم من آلام في الصدر والخفقان, وشدة ضربات القلب, وتزايد سرعتها. وأشار د. أحمد عكاشة في كتابه الطب النفسي المعاصر إلي أن أحد مرضاه زار عددا كبيرا من أطباء القلب وقام بإجراء أكثر من200 تخطيط للقلب, خلاف فحوصات القلب الأخري مثل الأشعة الصوتية. وبعضهم قام بإجراء قسطرة للقلب, علي الرغم من عدم وجود دليل علي أنه مصاب بمرض في القلب. وقسم كبير من هؤلاء يذهب لعيادات الجهاز الهضمي, لظنهم أنهم يعانون من آلام في البطن وغثيان وإعياء وشعور بعدم الارتياح, بعد الأكل, وأعراض اخري في الجهاز الهضمي. وهؤلاء يتم إجراء تحاليل مختبرية لهم وبعض الفحوصات المتقدمة, مثل منظار المعدة والقولون نظرا لأن بعضهم يعاني من مشاكل في الإخراج. آخرون يذهبون إلي أطباء الجهاز التنفسي, حيث أنهم يعانون من آلام في الصدر وصعوبة في التنفس وضيق شديد في التنفس عند الإصابة بنوبة وآخرون يذهبون إلي أطباء الجهاز العصبي, كما أن بعضهم يشعر بتنمل في الأطراف, أو بالصداع النصفي, أو بمرض الكلي وبعض أعراض اضطرابات الأعصاب الأخري.
ومرضي الهلع عموما يعانون من الكثير من المشاكل النفسية والعضوية وهذا مايجعلهم بلجأون كثيرا للأطباء الخطأ.
أهمية الطب النفسي
مرضي اضطراب الهلع, يصلون أخيرا إلي الطبيب النفسي وهم غير مقتنعين بأنهم يعانون من اضطراب نفسي, ويأتون انطلاقا من مقولة أنه لاضرر من المرور علي الطبيب النفسي, وإن كان بعضهم يرفض الذهاب إلي الطبيب النفسي خوفا من وصمه بأنه مريض نفسي, أو يتردد علي عيادة نفسية.
وعندما يأتي المريض إلي العيادة النفسية, يحضر معه عادة أدوية كثيرة من مختلف الأصناف. ويعرض علي الطبيب المعالج التقارير الطبية من مستشفيات مختلفة وأطباء مشهورين في تخصصات مختلفة. وإذا كان المريض امرأة يزيد علي ما ذكرنا تقارير وتحاليل وفحوصات من أطباء نساء وولادة.
وفي حال سؤال المريض هل يعتقد بأنه يعاني من مرض عضوي, يجيب أكثر هم بأن الأعراض التي يعاني منها هي أعراض عضوية, وهو لايعرف السبب في أن يحوله الأطباء. لطبيب نفسي, رغم أنه لايعاني من أي مرض نفسي الأخري, هي أن الوعي في مجال الأمراض النفسية يكاد يكون معدوما لدي عامة الناس.