كتبت -
زهرة كاظمي كانت ضحية ممارسات عنيفة من قبل مسئولين في دولة لا تحترم حقوق الإنسان, وكل تهمتها وقوفها بجانب الحق وتأدية عملها, بهذه الجملة وضع القاضي بإحدي محاكم مدينة كيبك الكندية حدا للجدل الذي ثار حول قضية مقتل المواطنة زهرة كاظمي،
التي تحمل الجنسية المزدوجة الإيرانية والكندية في طهران عام2003 أثناء اعتقالها بسجن ايفين. وأكد القاضي في حكمه الذي صدر منذ أسابيع حق ابنها ستيفان هاشمي في رفع دعوي أمام المحاكم الكندية ضد الحكومة الإيرانية ومطالبتهم بتعويض قدره17 مليون دولار بسبب مسئوليتهم المباشرة عن مصرع والدته.
والقضية اشتهرت في العالم كله وأصبحت بطلتها رمزا للتفاني في تأدية الواجب والانحياز إلي جانب الحقيقة وحصلت علي عدة جوائز لتكريمها. ولدت زهرة عام1948 بمدينة شيراز الإيرانية, ثم سافرت عام1974 إلي باريس لدراسة الأدب والسينما, ثم هاجرت مع ابنها ستيفان هاشمي إلي كندا عام1993, وهناك حصلت علي الجنسية الكندية مع احتفاظها بالجنسية الإيرانية وعملت كمصورة صحفية حرة بعدد من الصحف والمجلات الكندية. وكانت تجسد في أعمالها الأماكن التي تعج بالفقر والمقهورين مثل افريقيا وأمريكا اللاتينية والكاريبي وفي الشرق الأوسط عملت بالأراضي الفلسطينية وركزت علي التهجير القسري وقسوة القوات الإسرائيلية كما صورت ممارسات الاحتلال الأمريكي في أفغانستان والعراق وكانت تولي اهتماما خاصا بالمرأة في كل أعمالها. حتي قررت استخدام جواز سفرها الإيراني للدخول إلي بلدها وتصوير مظاهرات الطلبة التي نظموها عام2003 وبدأت احتجاجا علي ارتفاع مصروفات الدراسة ثم تطورت إلي المطالبة بالديمقراطية وامتدت في أنحاء البلاد, ولكن قوات الأمن تمكنت من قمعها بقسوة شديدة من اليوم السادس. وبعد القضاء علي المظاهرات تماما اعتبر اربعة آلاف طالب في عداد المفقودين وكعادة عائلات المفقودين في مثل هذه الظروف تجمهروا أمام معتقل ايفين السياسي شمال طهران في محاولة لمعرفة مصير ابنائهم وذهبت زهرة لتغطية الحدث معتقدة أن تصريح العمل الصحفي الذي اصدرته لها الحكومة الإيرانية للعمل في انحاء طهران يشمل هذه المنطقة, وعندما رآها حراس السجن وهي تلتقط الصور طلبوا منها تسليم الكاميرا. ولكن زهرة قامت بتعريض الفيلم للضوء خوفا علي عائلات الضحايا التي التقطت صورهم من أذي السلطات الإيرانية قبل أن تسلم الكاميرا. وأثار هذا السلوك غضب المسئولين بالسجن واعتقلوها بتهمة التصوير في أماكن يحظر بها التصوير وخضعت للتحقيق لمدة72 ساعة ثم أعلنت السلطات وفاتها بالمستشفي العسكري بعد19 يوما من اعتقالها وذكرت في البداية أن سبب الوفاة هو أزمة قلبية, ثم عدلت سبب الوفاة إلي ارتطام رأسها بشدة وإصابتها بنزيف في المخ أثر اصابتها بهبوط حاد نتيجة اضرابها عن الطعام.
وقد تسبب الحادث في توتر العلاقات بشدة بين كندا وإيران واستدعت الحكومة الكندية سفيرها في طهران عام3002 ونجحت في ان تدفع الامم المتحدة الي اصدار قرار يدين انتهاك حقوق الانسان في ايران. كما شكك ابنها في أسباب الحادث خاصة ان السلطات الإيرانية اصرت علي دفن الجثمان بسرعة في مسقط رأسها ورفضت تسليمه لكندا. ولكن الرئيس الاصلاحي في ذلك الوقت محمد خاتمي امر بتشكيل لجنة تحقيق لمعرفة الاسباب الحقيقية التي ادت الي وفاة زهرة. وجاءت نتيجة التحقيق التي اعلنها خاتمي بنفسه ان سبب الوفاة نزيف حاد في المخ اثر تعرض رأسها لصدمة قوية. واتهم احد الضباط بالسجن بالقتل الخطأ وتمت محاكمته وتبرئته. ولكن في عام5002 تمكن الطبيب الذي كان يعمل لصالح الداخلية الايرانية أثناء اعتقال زهرة من اللجوء الي كندا بمساعدة ابن زهرة, وهناك اعلن انه تولي الكشف علي الضحية بعد نقلها الي المستشفي العسكري اثر تدهور حالتها, وانها كانت تعاني من سحاجات عنيفة في مناطق متفرقة من جسدها وأصابع مكسورة وخلع بأظافر اليدين والقدمين وكسر بالأنف وثقب في طبلة الاذن, كما ان الطبيبة التي كشفت عليها اكدت انها تعرضت للاغتصاب وأعيد فتح القضية من جديد.
وبسبب هذه القضية تدهورت العلاقات تدريجيا بين إيران وكندا حيث اعيد التحقيق عدة مرات في إيران وفي كل مرة بلا نتيجة, حتي هددت شيرين عبادي المحامية الإيرانية الحاصلة علي جائزة نوبل والتي تتولي قضية زهرة بتدويل القضية, ولكن بلا جدوي. أما الجانب الكندي ففرض عدة عقوبات علي إيران حتي تم قطع العلاقات نهائيا في سبتمبر الماضي. ولذلك يأتي حكم قاضي كيبك بإمكانية مقاضاة الحكومة الإيرانية بمثابة تتويج لجهود الجميع داخل إيران وخارجها لرد اعتبار زهرة وذلك بعد سنوات طويلة من رفض المحاكم الكندية رفع الدعوي أمامها باعتبار ان الحادث وقع خارج الحدود الكندية.