** منذ بدأ الإنسان القديم رحلة تحدي الطبيعة والتغلب علي قسوتها.. مرورا إلي الاجتماعية التي مثلت حزمة العصا القوية "التي أشار إليها الحكيم القديم" المساعد الأساسي له في الابتكارات الكبري.. الزراعة.. النار.. أدوات الصيد.. اللجوء إلي الكهوف والمساكن المنحوتة في الجبال.. أو تلك الخيام المصنوعة من جلود الحيوانات.. وحتي اليوم في عالم السماوات المفتوحة.. والانتقال بسكان الأرض إلي الأماكن الصالحة للأهلية "لاحظ الترادف مع الأهل" وتحمل امكانيات الحياة.. في هذه المرحلة الممتدة من حياة الشعوب سواء بالوحدة أو الاستقلال.. الفرقة أو التواصل.. التنافس أو التعاون.. نظل وإلي أن يشاء الله سبحانه وتعالي في إطارة نظرية "الأول" وما يحصل عليه من ميزات وصناعة الأوائل التي تقفز بالمجتمع إلي الصدارة والنفوذ القوي.. والقوة الأعظم.. ويحرك الأول ليس المبادرة فقط.. ولكن الحركة المجتمعية جميعا نحو بناء القوة.. وتجاوز السلبيات.. ليرتفع البناء الحضاري شامخا إلي عنان السماء.. والمهم هنا انه مهما حاول المجتمع "الفائز" بالمركز الأول.. اغلاق أبوابه ونوافذه ليتمتع أبناؤه "أو لنقل معظمهم" بهذا الخير العموم.. محاطا بالنفوذ والقوة تنجح الأمم الأخري بوسائل دبلوماسية أحيانا وأخري عربية في أحيان أخري في غزو المجتمع المتقدم وحصول أبنائها علي الجينات المؤهلة لحضارة تنبت في الأرض.. ترتفع أشجارها إلي عنان السماء لاحظوا ما تعرضت له الحضارة العربية مثلا من غزوات من التتار والقادمين من قلب آسيا والعثمانيين وغيرهم.. هي تدمير واغراق للمنشآت الثقافية والحضارية في الجحور والأنهار.. لكن هؤلاء لم ينسوا أن يأخذوه معهم عند الرحيل أوائل البلاد التي غزوها.. ليشيدوا عن طريقهم حضارة بدأت بالبناء ولم تنته بتبادل الأفكار والحوار هؤلاء الأوائل هم مثلا الأسطوات المهرة في قاهرة المعز الذين اصطحبهم معه السلطان سليم الأول العثماني وتركت أناملهم الذهبية معجزات تتحدث عن نفسها حتي الآن.
** لذلك نستطيع القول بأن هناك علاقة انسانية وطيدة.. بين ذلك الشخص الذي يحصل علي المركز الأول في دراسته العليا.. أو يقدم للانسانية مبتكرا يعيش لآلاف السنين.. قائلا: وجدتها مثلما فعل نيوتن مع جاذبية التفاحة وبالطبع يتضمن ذلك مجالات الأولوية والمحاولات التي سبقتها.. لأن محاولة عباس بن فرناس الطيران بجناحي الطائر والتي دفع حياته ثمنا لها.. كانت بداية لانطلاق آخرين إلي كشف سر الطيران.. واستطاعته.. وكذلك عندما حمل الفيلسوف اليوناني ويوجين القلب مصباحه في الظلام.. باعنا عن الحقيقة.. كان هذا رخصة للبشر انطلقت من جبال أثينا.. لحرية الفكر والابداع مازالت شعلتها مضيئة حتي الآن والجانب الآخر من العلاقة يمثله أول من يخرج من مسابقة أو تنافس.. بصفر الهزيمة أو الفشل.. لأن يكون أمام اختيارين اليأس.. أو المحاولة التالية في اتجاه النجاح.. ويقدم لنا درسا عميق المغزي لا ينبغي اهماله أو الاستهانة به.. وتأتي الي شريحة المنتصف "الناجحون في الملحق" أو المحققين لمتطلبات النجاح فقط.. هؤلاء يعتقدون غالبا انهم أوفوا بمشترطات الدولة أو المجتمع.. وينتظرون من خلال ممارستهم العادية.. كسب المهارة والخبرة.. والرقي ما أمكن بشخصياتهم ومراكزهم الاجتماعية وهو في تقدير علماء الاجتماع أمر لازم لتغطية الفجوة المتمثلة في اعداد الأوائل.. عن الفرص المتاحة.. وقد تولد الغيرة المنافسة بدليل اقبال العديد من أصحاب الترتيب المتوسط علي الدراسات العليا والالتحاق بفرص أرقي.. يحتاج اليها المجتمع في نهضته العلمية والتنموية.. خاصة مع اتساع مجالات الخدمة الاجتماعية.. والوظائف المبتكرة بحكم الظروف والمتغيرات الاجتماعية وما يحدث من تأثير قادم من البلاد الأكثر تقدما..
** نحن نتفق اذن علي اتساع مساحة حقول تخريج الأوائل.. ومجالها الأساس الرحب هو العملية التعليمية التي تحدد تخصصاتها مستقبل المجتمع.. والفرص المتاحة في السوق لابنائه ورغم كل محاولات التطوير والتعديل التي مرت بها مرحلة الثانوية العامة.. منذ عرفتها مصر.. نجد ان الوضع الذي أفرزه التكدس الطلابي والدروس الخصوصية طريقا للتفوق.. أسفر عن حصول نسبة قليلة من الطلاب علي مجموعات عالية "تقترب من المجموع النهائي وربما زادت عنه" يتنافسون علي ما أطلق عليه كليات القمة.. وهي ثابتة أساسا "الطب. الصيدلة والهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية" ثم اضيفت لها كليات البترول والتعدين وأحيانا التربية ويلاحظ ان كليات الصعيد ترتفع في الحد الأدني في كليات الجامعة الأم "القاهرة عين شمس الاسكندرية" بسبب اقبال أبناء الصعيد علي خوض معركة التفوق والأولوية.. بسلاح المذاكرة والحضور الدراسي والعزيمة التي تعوض النقص في المجالات الأخري.
** أمام هذا الوضع تكتشف ان كليات القمة تظهر متاعبها بل وعيوبها حتي ينكشف أصحاب المجاميع العليا بغير أساس أمام دراسة تحتاج إلي تعامل معين.. مع المعامل والأستاذ والكتاب واللغة.. فتأتي نتيجة السنة الأولي تحت قبة الجامعة.. مخيبة للآمال.. "رغم ظهورها المبكر في المرحلة الثانوية العامة بالهروب من العلمي إلي الأدبي" وهنا قد يطول مشوار الطالب في الطب في سنوات الدراسة الطويلة أصلا.. أو يدخل مجال المنافسة مع أصحاب مجاميع أقل فضلوا قمة الجامعات الخاصة ومنهم من ينشر وينتقل إلي كليات أقل صعوبة.. وينسي الذين التحقوا بكليات القمة تحت ضغط من الأهل أو للتميز ان هنا كليات ومعاهد عليا.. تقبل بمجاميع أقل طلابا أكثر.. وان من بين التخصصات التي تظل مفتوحة الأماكن بعد تنسيق المرحلة الثالثة.. كليات الزراعة مثلا "رغم ان الزراعة عماد الدخل القومي" وبالطبع هناك الطلاب الجادون.. الذين يأخذون المسألة.. بتحد يدخلهم إلي معسكر الأوائل.. انهم يعتقدون أن كل كلية أو معهد لابد لها من طالب أو أكثر يحصل علي الامتياز.. والأمر يحتاج إلي اثبات وجود وإخلاص للعلم.. وحب للتخصص وتحقيق التفوق من خلال الانصات بالمحاضرة والحوار والمذاكرة الجادة.. انهم ينتظرون فقط من يساعدهم علي الفهم.. بأن الوطن في حاجة لجميع الأوائل.. وهم شريحة مهمة بينهم.