"يبرم رئيس الجمهورية المعاهدات ويصدق عليها بعد موافقة الحكومة، ولا تكون لها قوة القانون إلا بعد موافقة مجلسى البرلمان بأغلبية عدد أعضائهم".. هكذا نصت المادة 153 من مسودة الدستور الذى أعلنته الجمعية التأسيسية للدستور، والتى أثارت فور الإعلان عنها زوبعة كبيرة بين أوساط العاملين فى مجال حقوق الإنسان والمهتمين بحقوق المرأة والذين شنوا هجوماً حاداً على الجمعية التأسيسية ومسودة الدستور لعدم تضمنها بشكل صريح اعترافا بالمواثيق والمعاهدات الدولية التى وقعت عليها مصر من قبل.
هل تستمر مصر فى الاتفاقيات الدولية التى أبرمتها سابقا؟ أم ستنسحب من بعضها وفقا لرؤى التيار الإسلامى الحاكم الذى يراها مخالفة للشريعة التى يهدف إلى تطبيقها؟ وهل يحق لمصر أساساً الانسحاب من هذه الاتفاقيات؟ أم أن التيار الاسلامى سيتحمل ما سينتج من ردود أفعال للمجتمع الدولى والتى ما لبث أن أعلن عن رفضه المسودة واتخاذ إجراءات ضد مصر إذا ما تراجعت عن اتفاقياتها الدولية؟ وأخيراً.. هل عدم وجود مادة صريحة بالالتزام بالمعاهدات الدولية تغير من موقف مصر منها؟
الدكتور أحمد رفعت، أستاذ القانون الدولى، أكد أن الالتزام بالاتفاقيات وفقا لقواعد القانون الدولى إجبارى، وطالما أن الدولة ارتضت التوقيع عليها فعليها الالتزام بكافة اشتراطاتها، التى لا تسمح الانسحاب منها إلا وفقا لشروط معينة أيضا خاصة بكل اتفاقية، ولا تستطيع أى دولة ألا تلتزم بقواعد القوانين الدولى عقود شريعة المتعاقدين، وقال "أى دولة طرف فى اتفاقية ثنائية أو جماعية ملتزمة، وإذا انتهكت قاعدة القانون الدولى تتعرض لعقوبات، ولا يختلف ذلك سواء تم ذكرها فى الدستور من عدمه".
وأشار رفعت إلى أن توقيع مصر على الاتفاقيات يعنى الالتزام العام، وأضاف، معنى عدم وضع النص الدستورى هذه الاتفاقيات بمثابة القانون المحلى، فإنها تعنى أنها أعلى منه، لذلك من الأفضل أن يتم ذكرها حتى يلجأ إليها القضاة مثلها مثل القوانين، ولا يعرضنا للتشتت بين اختلاف تفسير الأحكام فى الشريعة بما يؤثر على الزامها أو عدمه، مضيفا " تغير نظام الحكم فى أى دولة لا يعطيها الحق فى الخروج أو العدول عن اتفاقياتها إلا بإعلان الانسحاب وذلك يكون عليها إجراءات كثيرة لا تخلو من العقوبات، لذلك تسارع الدول التى تغير فيها النظام عبر التاريخ بإعلان التزامها بجميع الاتفاقيات، حتى تحظى باعتراف المجتمع الدولى.
وأوضح رفعت أن تغير موقف مصر بالنسبة للاتفاقيات الدولية لا يعنى أن المجتمع الدولى لن يعترف بوجودها، وإنما قد لا يعترف بحكوماتها، فوفقا للقانون الدولى الذى تنفذه الأمم المتحدة ومجلس الأمن، تبدأ العقوبات من عدم الاعتراف بالحكومة الحالية، إلى قطع العلاقات الدبلوماسية والاقتصادية، وعدم التعامل مع الدولة، أى عزلها سياسياً أو اقتصادياً، مثلما حدث مع الصين، حينما انقسمت إلى دولتين شيوعية ووطنية، مما جعلها لسنوات لا تستطيع حضور اجتماعات مجلس الأمن، ولم يكن لها الحق فى اتخاذ أية قرارات دولية.
الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولى وعضو المجلس المصرى للشئون الخارجية، أوضح أن مصر كانت تتحفظ على أية بنود تخالف الشريعة الإسلامية، وبالتالى فلا يوجد مبرر لدى الجمعية التأسيسية بما تثيره من تعارض الاتفاقيات مع الشريعة، مشيراً فى ورقته البحثية حول دستور مصر القادم، إلى أن الجمعية التأسيسية أغفلت المواثيق الدولية، رغم أنها الضمانة المهمة لإنقاذ حقوق الإنسان فى الدستور المرتقب، وهو ما قامت به كل الدول التى خاضت مراحل التحول الديمقراطى مثل لدستور جنوب أفريقيا 1966 والذى طالب أعضاء التأسيسية بضرورة دراستها قبل وضع دستور مصر المقبل، ودراسة دساتير الدول التى خاضت مخاض التحول الديمقراطى قبل مصر فى هذا الشأن.
وحيد عبد المجيد، المتحدث باسم الجمعية التأسيسية للدستور، أوضح أن الجوانب الخاصة بحقوق الإنسان فى المسودة تعيد مصر إلى الخلف، وتتراجع كثيراً عما ورد فى دستور 71، وأضاف "أنا وغيرى من الأعضاء لا نقبل مسودة الدستور بذلك الشكل الذى ظهرت عليه، حتى لو كان أعضاء اللجان اتفقوا على هذه البنود، لأن ذلك لا يليق أن يكون دستور مصر فى القرن 21".
وأكد عبد المجيد بوجود ما سماه رعب غير عادى لدى بعض الأعضاء من المجتمع الدولى والاتفاقيات المبرمة معه، وكأنها فيها "سم قاتل"، قائلا: "لن أرضى أن نعود إلى الوراء فى ممارسة الحريات، ومن يقرأ الاتفاقيات يعلم أنه لا يوجد أى شبهة فيها مخالفة للشريعة، وهذه المسودة لا قيمة لها ولا تلزم أحداً، وسأصر على أن يكون هناك نص يلزم مصر بالاتفاقيات الدولية ضمن بنود الدستور".
من جانبه، رفض الدكتور يونس مخيون، عضو اللجنة التأسيسية للدستور والنائب السابق فى مجلس الشعب عن حزب النور السلفى، إلزام القضاء بتنفيذ قواعد المواثيق الدولية، كما رفض أن توفق الدولة أوضاعها الداخلية طالما ارتضت بالتوقيع على الاتفاقيات، قائلا: "كلمة الله هى العليا كما يقول كتابه العزيز، وبالتالى، فلسنا ملزمين بأية اتفاقيات تخالف الشريعة وأحكامها ولن نقدمها على القرآن والسنة، خصوصا أن الحكومة السابقة كانت عميلة لأمريكا وإسرائيل، لا تبحث عن مصالح شعب ولا وطن، وكان كل هم مبارك أن يكسب رضى المجتمع الدولى لكى لا يقف أمامه فى عملية توريث الحكم لابنه، وبالتالى كان يوافق على أى معاهدات دولية، حتى ولو كانت تضر مصالح الوطن أو الإسلام فى سبيل البقاء على كرسيه، لذلك فكل قراراته بما فيها المعاهدات الدولية التى وقعها مشكوك فيها إلى أن يتم مراجعتها".
مخيون أوضح أن مراجعة الاتفاقيات ستكون من خلال مجلس الشعب قائلا: "لا يوجد مشكلة ألا نضع مبدأ فى الدستور يلزمنا بهذه الاتفاقيات حتى يقوم مجلس الشعب بمراجعتها، ولن نرضى بما يخالف الشريعة، لأننا لن نمشى وراء أحد ولا العقول التى تربت فى الغرب، فنريد أن نتحرر من عقدة الخواجة".
على صعيد متصل، رفضت نهاد أبو القمصان، رئيس المركز المصرى لحقوق المرأة، المنطق الذى استند إليه بعض أعضاء الجمعية التأسيسية لعدم الاعتراف بالمواثيق الدولية، وقالت "كلام أعضاء التأسيسية المعارضين للاتفاقيات الدولية غير منطقى بالمرة، وأراهنهم أن يكونوا قرأوها، وكل مناقشاتى معهم اكتشف أن ثقافتهم سمعية، والأدهى أنهم حتى يسمعوا من أشخاص لم يقرأوا أيضا"، قائلة: "هل يعلم هؤلاء أن عدم الالتزام بالاتفاقيات الدولية على سبيل المثال يجعل السفارات فى مصر غير معروف دورها لأنها موجودة بناء على اتفاقية دبلوماسية".